ثلاثينيات يهود أوروبا وراهن فلسطين

ثلاثينيات يهود أوروبا وراهن فلسطين

26 ابريل 2024
اعتقال متضامن مع غزة بجامعة كاليفورنيا، إبريل الحالي (كارولين بريمان/Epa)
+ الخط -
اظهر الملخص
- نتنياهو يتهم حركات التضامن مع فلسطين في الغرب بمعاداة السامية، في محاولة لابتزاز التعاطف الدولي وتحريض ضدهم، مستحضرًا مقارنات مع ثلاثينيات أوروبا لتشويه صورتهم.
- الأجيال الجديدة في الغرب ترفض الصمت عن الجرائم الصهيونية، مقارنةً إياها بفاشية الثلاثينيات ومستنكرةً الحماية الغربية لهذه الجرائم، ما يكشف عن وعي متزايد بحقيقة الأبرتهايد والإبادة.
- محاولات تشويه صورة حركة التضامن الدولية مع فلسطين تفشل أمام تزايد الوعي العالمي بالجرائم اليومية في فلسطين، وتكشف عن استراتيجية إسرائيلية لإسكات الأصوات المعارضة بتهم معاداة السامية، حتى بين اليهود الرافضين للجريمة.

ليس بدون هدف أن يصوّب بنيامين نتنياهو على حركة التضامن في شوارع وجامعات أميركية وغربية باعتبار أنها "مُسيطر عليها من جحافل معاداة السامية". الأمر غير بعيد عن محاولة بائسة، بالتعاون مع تيار صهيوني غربي، لاستدرار التعاطف وممارسة الابتزاز والتحريض. ولأن التاريخ في صلب عقلية مرتكبي جريمة نكبة فلسطين، ليس غريباً استحضار المأزوم في تل أبيب والقدس المحتلة، نتنياهو، شيئاً عن "ثلاثينيات أوروبا"، لاتهام المتضامنين مع فلسطين بأنهم "يطالبون بالقضاء على إسرائيل، ويهاجمون الطلاب اليهود وأعضاء هيئة التدريس اليهود، وهو ما يذكرنا بما كان يحدث في الجامعات الألمانية في الثلاثينيات". هكذا ببساطة يفهم التيار الصهيوني ابتزاز الحاضر، من أجل تكميم الأفواه وإرعاب الناس بتهمة "معاداة السامية"، بعد اكتشاف أجيال جديدة حقيقة دولة الأبرتهايد وجرائم الحرب والإبادة.

السكوت عما يذهب إليه هذا التيار الصهيوني ليس في وارد هذه الأجيال، التي تقارن بين فاشية ثلاثينيات القرن الماضي في أوروبا وليالي الكريستال الفلسطينية، بشهادة جنود الاحتلال وتوثيقهم جرائمهم. فمنهجية الجريمة الصهيونية تذكر المستوى الأكاديمي والجامعي والشارع الأوروبي باليد الغربية التي تحمي الجرائم المنظمّة، كالهجوم والحرق الجماعي في حوارة وحرق عائلة الدوابشة، والتفاخر أمام الكاميرات بالمقابر الجماعية ونسف البيوت والمشافي في غزة خلال مائتي يوم من صب ذخائر البيت الأبيض فوق القطاع.

تباكي من ضبطتهم محكمة العدل الدولية يدعون إلى إفناء شعب بأكمله، على ثلاثينيات أوروبا لا يستوي وهذا الفصل العنصري والتحريض على الشاشات العبرية، حتى على ارتياد أهل غزّة شاطئ بحرهم المُجرّف. ففي وقتٍ يُدلل فيه مرتكبو جرائم قتل الفلسطينيين وحرقهم في سجون 5 نجوم، ثمّة وقائع ما عادت خفية في عالمنا المعاصر، وهو ليس عالم سنة النكبة 1948، إذ يكتشف جيل غربي الحقيقة بحرية، وآخر عربي ترعرع في ثقافة وقيم الحريات والعدالة، التي يدوس في بطنها جو بايدن والألماني أولاف شولتز بتملقهما للصهيونية باسم "معاداة السامية" المتخيّلة، والتي لم ينحتها العرب بل الغرب نفسه.

ومنذ بداية التحرّكات الغربية، كان يمكن للعقل السوي الاستماع لأصوات يهودية غربية، وبينهم أكاديميون وصحافيون، رفضت ارتكاب الجرائم باسمها، وهذا الدمج السخيف بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية، وبالتالي، رمي الاتهامات الصهيونية على حركة التضامن ليس بمعزل عن محاولات غربية طموحة لمحاصرة التضامن مع فلسطين، وما يتطلبه من مواقف، لجعلها تبدو صادرة فقط عن "جاليات مسلمة" و"تيار التطرف اليساري". الأمر بالتأكيد مكشوف بعد اتساع رقعة معرفة الجريمة المرتكبة يومياً في فلسطين.

عملياً، يهدف معسكر إخافة وترهيب حركة التضامن الدولية مع فلسطين، وتصوير الناس بأنهم يخرجون لافتعال ثلاثينيات أوروبية أخرى، إلى مزيد من التعمية الغربية الرسمية على صورة جريمة أصلية يعيشها الغزيون في معسكر اعتقال جماعي، ليس أقلّ من معسكرات النازية، مع بقية ما يعيشه الفلسطينيون من جرائم على أرض وطنهم التاريخي، والموصوفة بدقّة من منظمّات حقوقية دولية. فمن سينسى القول إنه ليس هناك مدني في غزة لشرعنة جرائم الإبادة؟ وها هم الآن ذاهبون إلى الغرق في وحل كذبة أن طلبة جامعات أميركية وشوارع أوروبية ليس عندهم هدف سوى استهداف اليهود، والتهمة بالمناسبة تشمل يهوداً آخرين رافضين للجريمة.